وسام رشيد
لا اُبالغ إذا ما وصفت البارزاني، بكل ماله وما عليه، بأنه يتزعم وحدة الخطاب والموقف الكردي العراقي الى حدٍ كبير وبكل تفرعاته، حتى تلك المختلفة مع توجهات حزبه أو المتحالفين معه، بل أكثر من ذلك، فهو أحد أبرز مصادر قوة المكوّن الرئيسية والثابتة، والذي تلتف حوله جانب كبير من رغبات الشعب الكردي حول مركز القوى المهم الذي يملكه، حتى أولئك الذين يتحدثون عن حزبه بسوء، فهم يعلمون وربما يعترفون إنه مصدر قوة لفكرة القومية التي تغذي روحاً توقدت بحب كردستان موحدة تسير نحو تحقيق المصالح المشروعة، وغير المشروعة ضمن التدرج الوطني للمفاهيم وقبولها أو رفضها والجو العام في العراق، فلا يمكن أن تلتفت لتعليق سياسي كردي ذو معنى وتأثير دون أن يكون له حضور بارزاني، مباشر وغير مباشر، وهي مقوّم ثبات القومية وعاملاً يرسخ فكرة بقائها وتوسعها، سلباً أم إيجاباً، فقد استطاعت هذه المنظومة البرزانية، وبحزم، انتزاع القرار الكردي ولملمته من العابثين، والمتشظين، والمجتهدين أيضاً، وتوجيهه بشكل مباشر لتحقيق مصلحة سكان كردستان بالدرجة الاولى كمواطنين لهم كيان ورؤية ومستقبل.
تعدُّ الرؤية، والكيان، والنظرة للمستقبل اشتراطات جوهرية لعملية بناء أي تكتل يمتلك جمهور بشري يؤمن بذلك، على أرض تستطيع أن تنتج نموذجاً مشابها، وهذا المدخل للتجربة الناجحة لإقليم كردستان العراق يمكن أن يتكرر في المناطق السُنية، لو تم العمل بموجب الخطوة الاستراتيجية: ” انتزاع القرار السني من العابثين والمتشظين”، تماماً مثلما فعلها البرزانيبن في منتصف القرن الماضي، فقوة المكّون تكمن بإيمان أبنائه بوحدة القرار، وهي رؤية موحدة ،ومن ثم، هدف، وسلوك، وتصورات، وأحلام، ومنهج، موحَّد يلتف حوله جميع المتطلعين للاستقرار والسلم الأهلي، وصناعة الكيان تتطلب إيجاد فرصة تاريخية وجادة لكل فئات وجمهور المجتمع العربي السُني في تلك المناطق التي خرجت من سلسلة تجارب مريرة ودموية على مدى أكثر من خمسة عشر عاماً، كانت كفيلة أن تضع مستقبل أجيالها القادمة على حافة الانهيار والضياع، فهي عملية معقدة تحتاج ان تبني مجتمعاً يتعاطى مع الثقة ويبني من خلالها محوراً جامعاً يكون على دراية ومقربة من هواجس الناس، وتلك الثقة المتراكمة كفيلة أن تبرز ملامح تيار أو شخص يكون باستطاعته لم الشتات حول مشروعٍ واحد.
مشروع صناعة الزعامة – وهي المرجع – يسير بشكلٍ ما وبمعظم المناطق السنية، لكنه بحاجة الى وحدة قرار، وأعتقد إن رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي بصدد بناء قاعدة ينطلق منها توحيد القرار وسحبه من الشتات الى القوة والنفاذ بخطوات جريئة استوجبت هجمات عنيفة من القوى المتضررة من هذا التوجه، فالزعامة ستنقل مصلحة المجتمع السني من الصفوف المتأخرة للمعادلات السياسية المحلية والدولية الى صدارة المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي تدخل ضمن الاصلاح الفعلي لتركيبة المجتمع هناك، والزج بمفاهيم علمية وعملية تكون مقنعة وذات جدوى في ظل تداخل موازين التيارات المتصدرة للعمل العام، وعدم قدرتها على توجيه الشارع بما يتلاءم ومصلحته، وهذا لا يعني بالضرورة بناء منظومة برزانية مستنسخة في الجانب السُني،بل إنشاء سلطةإعتبارية ومعنوية تحافظ على الاستقرار والسلم الاهلي، وتمنع عنه الكثير من التوجهات العدوانية الآتية من الخارج أو الداخل على حد سواء، وهي حاجة يتطلبها توحيد الصف السُني بهذه المرحلة المهمة والعصيبة.
ورغم إن السلوك المدني لادارة الدولة هو خيّار وطني ومتبنى منطقي وعادل لقيادة البلاد، الازان ذلك لا يتعارض مع فكرة توحيد المكونات، لأسباب الحماية والحرض كضرورة فرضتها تجارب سابقة، ربما سنقف مجدداً أمام نجاح من نوع آخر سيتحقق في هذا الشأن، ونشهد ولادة زعامة مؤثرة تستطيع النهوض بشأن سكان مناطقها، وتسحب البساط من تحت أقدام من فشل مراراً، وتُوحد القرار السني، وربما سنتحدث ونقارن ونشيد بتجربة سنية منافسة، تمتلك صفات القدرة، وأدوات الاقتدار، بمسؤولية وطنية ومكوناتية جامعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *