د.احمد الميالي

مؤسسة الراصد للدراسات
بعد اكثر من سنتين على تحرير الانبار والموصل ومناطق في صلاح الدين وكركوك وديالى، من قبضة تنظيم داعش، تتبادر تساؤلات عن ما طرأ من تحولات ومتغيرات في تفكير ابناء مجتمعات تلك المدن سياسيا واجتماعيا ، من حيث الموقف من القوى السياسية الممثلة لهذه المجتمعات في مرحلة ماقبل النزاع والان، وايضا من حيث الممارسات والسلوكيات الاجتماعية التي فرضتها بعض القوى التقليدية والمحافظة وكرسها تنظيم داعش .
اهم هذه التحولات والتي تعد ايجابية وبمثابة رسائل سياسية واجتماعية للعالم والمحيط الاقليمي وباقي المحافظات انها اندمجت مع الواقع الجديد مابعد التحرير الى حد كبير واختارت هذه المجتمعات مسار دعم الدولة والقانون والنظام العام والتبرؤ من تنظيم داعش وممارساته رغم عدم تقديم الدولة لهم اي اطر سياسية واقتصادية تسهم في بناء مدنهم وتدفع نحو اندماجهم بشكل سريع، كما انها ايقنت ان من اوصل هذه المدن لهذه الحقبة السوداء والمظلمة هو تفكير وسلوك القيادات والقوى السياسية التقليدية المحافظة والمدعية بخطها الاسلاموي المغلق والمتشدد.
يتضح الان ومن خلال الحديث والتواصل مع بعض النخب الاكاديمية والطلبة وحوارات مع بعض الفاعلين المحليين ، ان ابناء المكون السني الى حد كبير باتوا يميلون نحو الاتجاه المدني ويمقتون الاتجاه المرتكز على الانغلاق والتشدد والراديكالية ، ولديهم مخاوف حقيقية من عودة هذا الفكر الرجعي الذي سبب الدمار والموت لهم نتيجة سوء اداء القيادة لهذه القوى التي مثلت سياسيا واجتماعيا ابناء هذه المجتمعات .
مايعكس حقيقة هذه الاراء وهذا التقييم هو الصراع الموجه من قبل قوى الحزب الاسلامي وجبهة الانقاذ والتنمية ومن تحالف معهم ممن يمثلون الخط التقليدي المحافظ في هذه المدن ضد حزب تقدم الدي يقوده رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والذي يمثل الاتجاه المغاير لتفكير وممارسات هذه القوى مع احتفاظه بعمقه الاجتماعي عشائريا وانفتاحه على هذه المجتمعات مدنيا.
مخاوف الخط التقليدي من تراجع حظوظه في الانتخابات بعد فقدانه الدعم الشعبي وتراجع شرعيته الاجتماعية وافتقاده لادوات العمل السياسي في قبال حظوة حزب تقدم والقوى المتحالفة معه في تحالف القوى العراقية على ماافتقده هذه الخط ، دفعت به الى محاولات استعادة ثقة هذه المجتمعات لا عن طريق تقديم صورة نمطية جديدة في الاداء والتفكير والتوجه للتعويض وبناء هذه الثقة المفقودة بل عن طريق استهداف الحلبوسي ومحاولة سحب الثقة منه في رئاسة البرلمان والنيل منه اعلاميا، لكن الذي حصل هو العكس فطالما تحول الصراع الى شخصي وانتخابي ومع وعي ابناء هذه المدن واختبارهم للخط المحافظ واخفاقاتهم في الحكم والقيادة والتمثيل النيابي والتنفيذي مع نجاح الحلبوسي في كسبهم والاقتراب منهم وتمثيل مطالبهم واهتماماتهم، فان مصير هذا الصراع لن يسير لصالح القوى للتقليدية بل العكس تماما.
كل المؤشرات تدل ان ابناء هذه المدن لن يختاروا من فشلوا بحمايتهم سابقا وان ساسة المناطق المحررة التقليديين مثلوا خطأ جسيماً حينما سار هؤلاء في طريق استثمار خطاب طائفي قومي تقسيمي للفت الأنظار من خلال الثرثرة الفاضحة والتحيزات الفجة، فعليهم الان أن يتوقعوا رؤية كابوس سياسي و انتخابي تتكشف تفاصيله تدريجياً، تتحول فيه كل محاولة للنيل من خصومهم داخل المكون نفسه او مع الاخرين إلى كارثة ذات تداعيات سياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *