د.احمد الميالي.
في خضم الازمات المتلاحقة التي عصفت بالعراق منذ عام ٢٠١٤ ولغاية الان ، وبعد تحرير محافظات الانبار وصلاح الدين وديالى ونينوى من قبضة تنظيم داعش واعلان النصر الذي استغرق اكثر من ثلاث سنوات من القتال والمواجهة ، تطرح مسالة وضع مقاربة حكومية لاعادة بناء واعمار المجتمعات المحلية في هذه المحافظات، فلا زالت هذه المقاربة تنتظر الانطلاق والتنفيذ اذ لم تطلق حملات احلال الاعمار والبناء والتنمية لتحقيق السلام والاستقرار . ومحافظة نينوى نموذج لذلك ، ورغم ان محافظة الانبار وخاصة مدينة الرمادي شهدت تحولا نموذجياً في اعادة البناء والاعمار لكن كانت هذه المبادرات محلية ذاتية تبناها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي حينما كان محافظا واستكمل المحافظ الحالي وبعض الفاعلين المحليين في المحافظة هذه المقاربة في اعادة الاعمار والاستقرار، لكنه يحتاج الى حملة حكومية كبرى تشمل جميع المدن المحررة…
فكل مجتمعات مابعد الصراع يجب ان تتبنى الحكومات المركزية والمحلية والفاعلين فيها، ادارة مقاربة شاملة تبدأ باعادة الاعمار واعادة النازحين والمهجرين ووضع سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية تربوية تعمل على اعادة دمج شرائح السكان في هذه المجتمعات ثم تعيد صياغة روابطهم بالواقع الحكومي والسياسي الجديد مابعد الصراع .
ولهذا تحتاج نينوى وبقية المدن المحررة وضع مقاربة شاملة تتمثل : بتفعيل الجانب الاقتصادي والتنموي، فالحرمان الاقتصادي في المحافظات المحررة جعلها تعاني بشكل كبير، وعلى الحكومة إطلاق مشروع تنموي شامل لدمج الفئات المحرومة في تلك المدن ويجب أن يكون هذا المشروع الشامل قائما على أساس بناء اقتصاد تنموي يتضمن تفعيل وتغطية وتمويل الجانب الزراعي والصناعي. وايضا لابد من اطلاق حملة اعادة البناء والاعمار لما دمره داعش وهذا سيعمل على تنشيط الوضع الاقتصادي لتلك المدن ويعمل على كفالة وضمان التعايش وتعزيز قيم التسامح وتفضيل أطر البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فتوفير فرص العمل عبر اطلاق مشاريع إعادة الإعمار وتشغيل ابناء تلك المدن وتحريك عجلة الاقتصاد فيها يعد افضل طريق لبناء المجتمعات الخارجة من الصراع واحلال السلام، وهنا لا بد ان تنسجم وتتكامل الجهود الحكومية في استقدام الدعم الدولي في اطلاق حملات البناء والاعمار وتنفيذ المشاريع اللازمة لذلك، مع ضرورة تفكيك البيروقراطية والفساد، ومنع بسط النفوذ السياسي لبعض الاطراف التي تريد ان تستغل هذا الملف.
هنالك فجوة بين السلطة ومجتمعات هذه المدن قبل دخول داعش وبعده، والمطلوب ردم هذه الفجوة وتنمية اطر المواطنة، وهذا يتجسد باحترام الدولة لحقوق المواطن، والمواطن لواجباته تجاه الدولة، ويستلزم ذلك الغاء التوجهات السياسية والاعلامية ذات الطابع التجريمي والتخويني لابناء هذه المدن والعمل على تشريع قوانين واحلال ممارسات وتنفيد سياسات وايصال رسائل مشجعة على دمج السكان والفئات الاجتماعية على تنوعها بما يحقق التسامح والتعايش ويرسخ ثقافة الإحساس بالأمان لدى المجتمع ويشجع على الاندماج السياسي والاجتماعي.
كما يجب ان تكون ادارة هذه المقاربة في اعادة البناء والاعمار والتنمية وفق عمل جماعي مبنى على اساس قانوني لا ان يدار باجتهادات شخصية او حزبية، لان هذا النهج في إدارة المجتمعات الخارجة من الصراع يعمل على زيادة التسلط السياسي والامني على ابناء هذه المدن، ويترسخ لديهم الشعور بالتفرد والاستبداد الموجه تجاههم، مما يكرس فقدان الأمن الاجتماعي وانعدام الشرعية السياسية، ويغيب دور ابناءها في الاسهام الايجابي بامن واستقرار مناطقهم. ويعمل على اعادة انتاج الظروف التي مرت بها قبل دخول تنظيم داعش.
التاخير في احلال عملية البناء والاعمار يعمل على ذلك ايضا، فعملية التحرير استغرقت اكثر من ثلاث سنوات ، ومرت ثلاث سنوات اخرى بعد التحرير ولم تطلق عملية اعادة البناء والاعمار وانهاء ملف النزوح والهجرة. وهذا غير منطقي ولاتوجد مبررات مانعة لذلك.
دعوات اليوم لاعادة بناء واعمار نينوى وبقية المدن تمثل بصيص أمل، يحتاج إلى ان تتبنى الحكومة والنخب السياسية المشاريع والحلول اللازمة لتلبية واسناد تلك الدعوات لانه يقع على عاتقها وضمن مسؤولياتها الدستورية والقانونية.