احمد الميالي

كتب : احمد الميالي / استاذ العلوم السياسية جامعة بغداد

تثير خطوة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تعيين عبد الحسين الهنداوي مستشار ا له لشؤون الانتخابات تساؤلات عديدة حول جدية الحكومة الحالية باستكمال وتسريع اجراءات الانتخابات المبكرة في العراق، والتي تعد استحقاقاً ومطلبا شعبيا منذ اندلاع الاحتجاجات في اكتوبر من العام الماضي ، كما تطرح هذه الخطوة تساؤلات تتعلق حول وجود رغبة سياسية باجراءها او تسريع وتيرة ذلك؟.
قد يفهم من خطوة الكاظمي ان هنالك نية وتوجه لاقامة الانتخابات النيابية المبكرة في العراق ، لكن في ظل المعطيات والتحديات الراهنة لايمكن التفاؤل حول اجراءها ولا يمكن ان نجزم بوجود توجه سياسي يرحب وينسجم مع هذه الخطوة .
فهنالك تحديات عدة تصطدم بترجمة هذ التوجه وهذه الخطوة واهمها عدم توفر المستلزمات الاساسية لاجراء تلك الانتخابات من غطاء قانوني يتعلق باستكمال تشريع ملاحق قانون انتخابات مجلس النواب الاخير الذي لم يحسم لغاية الان فيما يخص تقسيم الدوائر الانتخابية على مستوى الاقضية الذي يحتاج الى حسم الحدود الادارية لبعض المحافظات وايضا الى تعداد سكاني ، والتصويت على قانون المحكمة الاتحادية لاكمال نصابها لغرض المصادقة على نتائج الانتخابات، اضافة الى استكمال هيكلية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الجديدة وتراكم الخبرة اللازمة لاجراء تلك الانتخابات بعد حل المفوضية السابقة من مجلس مفوضين ومدراء عامين ومكاتب وموظفين، فالقوى السياسية لازالت تتنافس على اشغال هذه المواقع في حين هذا يتعارض مع الاسباب الموجبة للانتخابات المبكرة المتعلقة بانهاء الهيمنة الحزبية على الفضاء السياسي العمومي واشراك القوى والنخب والكفاءات المستقلة، فضلا عن مسألة التمويل اللازمة لاجراء تلك الانتخابات ، فلم تشرع موازنة العام٢٠٢٠ ويعاني العراق من ازمة مالية حقيقية جراء انخفاض اسعار النفط وذهب الى تشريع قانون للاقتراض المحلي والخارجي كبديل لمواجهة هذه الازمة المتعلقة بتأمين دفع رواتب القطاع العام وانجاز بعض الاستحقاقات الاقتصادية والمالية للمشاريع والاستثمار والدرجات الوظيفية.
تراكم هذه التحديات لاتنسجم وامكانية تسريع اجراء الانتخابات المبكرة ، فتوفير الغطاء التشريعي ياخذ وقتا في امكانية الوصول الى حل للمتطلبات التي يستلزمها القانون وفق نطاق الدوائر الانتخابية على مستوى القضاء، كما ان الاتفاق على هيكلة مفوضية الانتخابات وتدربيها ايضا يحتاج الى بيئة سياسية مستقرة داعمة لذلك فضلا عن القدرة على التمويل فبالامكان اقرار التمويل في موازنة ٢٠٢١ التي اذا ما اقرت في افضل الظروف والمناخات ستنفذ في نيسان او آيار من العام القادم، وفي الممارسات الانتخابية السابقة تحتاج المفوضية ستة اشهر بعد حصول التمويل للاعداد الى تلك الانتخابات واجراءها، وهذا يعني اجراء الانتخابات سيكون بحلول شهر تشرين الثاني من العام ٢٠٢١، وهو توقيت لايسبق كثيرا الاستحقاق الدستوري للانتخابات العامة للدورة الحالية التي من المفترض ان تجرى قبل شهر نيسان من العام ٢٠٢٢. ولهذا لايمكن اعتبار اجراء الانتخابات قبل موعدها الدستوري بثلاث او اربع اشهر على انها انتخابات مبكرة، يضاف الى كل ذلك عوامل تسهم في احباط الرهان على تسريع وتيرة هذه الانتخابات اهمها
١-انتشار وباء كورونا الذي استفحل مؤخرا واعاد الكثير في حسابات المواطن العراقي واولوياته تجاه السياسة بشكل عام والانتخابات المبكرة بشكل خاص، فلم نعد نسمع مطالبات والحاحات شعبية حول ذلك .
٢- لاتوجد ضمانات لغاية الان ان تكون مخرجات الانتخابات المبكرة معبرة عن هموم الشارع ومطالب المحتجين ، منها وجود بيئة مستقرة تحفز على المشاركة الانتخابية الفعالة ، ولا ضمانات بحصول تغيير سياسي على مستوى الخريطة الانتخابية.
٣- لاتوجد ضمانات لنزاهة مطلقة للانتخابات المبكرة فلا زالت بعض الاحزاب مسيطرة على مفاصل العملية السياسية ولازال السلاح خارج اطار الدولة ولازال المال السياسي والدعاية والقدرات الاعلامية وتاثير الابعاد الخارجية حاضرة في خضم العملية السياسية.
ولهذا يعول على هذه الحكومة وبمساعدة بعض القوى البرلمانية ان تعمل سوياً على تفكيك هذه التحديات والعقبات والازمات لتكون ممهدة لاجراء الانتخابات العامة بأي توقيت ينسجم مع وجود البيئة الملائمة لاجراءها على ان لايتعدى التوقيت الدستوري.
ان مقتضيات الانتخابات المبكرة تحتاج الى الكثير من الجهد والتعاون لاجراءها، وتكاد تكون مقوماتها الان في غاية الصعوبة ، لكن ما يعول عليه ان مجلس النواب الحالي عمل بشكل جاد وايجابي للتعبير عن الكثير من المطالب والتجاوب مع الكثير من الاصلاحات التشريعية والرقابية التي انسجمت مع حركة الاحتجاجات، بدءً من التصويت على استقالة الحكومة السابقة وتشكيل حكومة جديدة، اغلب اعضاءها وتوجهاتها تعبر على الاقل عن الحد الادنى للمواصفات والاشتراطات التي طالبت بها ساحات الاحتجاجات، فضلا عن تشريع البرلمان الحالي العديد من القوانين الاصلاحية منها قانون مفوضية الانتخابات واقراره اهم مبدء ديمقراطي في النظم الانتخابية وهو نظام اعلى الاصوات وتقسيم الدوائر الانتخابية وتخفيض سن المشاركة بالترشح في قانون انتخابات مجلس النواب قيد التشريع، رغم عدم الاكتمال الى الان، لكنه مهم وضروري ومبدأ فريد على مستوى التجارب النيابية وحتى الراسخة منها ، اضافة الى التصويت على اعضاء مجلس الخدمة الاتحادي الذي لم يشكل طيلة الدورات السابقة منذ عام ٢٠٠٩، وايضا قانون الغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة العراقية وتعديل قانون التقاعد الموحد، وقانون انتخابات مجالس المحافظات رقم ١٢ لسنة ٢٠١٨ وتعديله الثاني المتضمن انهاء عمل مجالس المحافظات انسجاما مع المطالب وانتهاء ولاية تلك المجالس، وعشرات القوانين الاصلاحية قيد التشريع منها قانون المحكمة الاتحادية، وتعديل قانون الادعاء العام، وقانون الخدمة المدنية، وقانون مجلس الاعمار، وقانون حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي وغيرها… ومن المؤمل من المجلس التصويت على هذه القوانين تمهيدا لاجراء الانتخابات. فضلا عن القرارات التشريعية المعبرة عن صوت الشارع والمتطابقة مع سيادة العراق، ومنها قرار اخراج القوات الاجنبية، وقرار عدم الاستقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين فيما عدا الرئاسات الثلاث
هذه مقدمات مهمة وضرورية للاصلاح ورغم وجود تلكؤ في تنفيذ بعض هذه القرارات لكنها خطوة ضرورية لتثبيت مبادئ مهمة للمرحلة القادمة لايمكن النكوص والتراجع عنها واذا ماطورت نحو تقنينها بقوانين تشريعية ملزمة سيحسب هذا التوجه الاصلاحي لرئيس مجلس النواب والقوة النيابية المنسجمة الداعمة لذلك.
اهم مايمكن اعتباره استثناءً في التجربة البرلمانية في العراق “يضاف اليها تونس الان” ، عن البرلمانات العربية ان التوازن بين السلطات ( التشريعية والتنفيذية) اصبح واضحا بعد عام ٢٠١٨ ، فلم تعد الكفة تميل لصالح السلطة التنفيذية، ولم تعد مركزية دور القيادات السياسية التقليدية مسيطرة بطريقة فوقية على صنع القرار السياسي وبات من الممكن ان نراهن على مجلس النواب العراقي بالتجاوب مع امال الشعب العراقي وتطلعاته.

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *