وسام رشيد الغزي

وضعتنا الأقدار السياسية الناتجة عن سوء استخدام السلطة في العراق، ومنذ عقود أمام مفترق طرق مع الكثير من الأنظمة العربية، وانسحبت المواقف المتباينة، بل والصراعات، الى التأثير المباشر على العلاقة بين شعوب تلك الدول، وتوسيع الهوّة الثقافية بين أبناء اللغة، والأرت المشترك.

ابتعد العراق عن امتداده الطبيعي والقومي نتيجة لجملة من السياسات التي افضت بعضها الى حروب شنّها النظام الديكتاتوري السابق، وامتدت بعد التغيير عام 2003، فلم يتبلور نهج سياسي واضح يُلملم شتات تلك العلاقات ليضعها في سياقها الصحيح، إذ فشلت الحكومات المتعاقبة لأسباب داخلية تتعلق بارتدادات العملية السياسية، وخارجية تخص الموقف من الأحداث التي طرأت على الساحة العراقية وأثرها على دول الجوار الإقليمي.

لم تكن هذه الحكومات وحدها المسؤولة عن فشل بناء تلك العلاقات، بل كانت هناك جملة من التيارات تعود لكيانات سياسية وأحزاب ترتبط بعلاقات مباشرة مع رجالات الدول الرسمية بمعزل عن مؤسساتها الخارجية، أو أجندة السياسة الخارجية للدول العراقية واستراتيجيتها، (إذا افترضنا وجود أجندة واستراتيجية)، فالطابع الغالب هو غياب الإطار العام المؤسَّس للدولة في حكم، وتوجيه تلك العلاقات المتعددة.

وبالطبع، عندما تكون إدارة العلاقات الخارجية من قبل خانات حزبية فإنها تتحول من ثم الى دكاكين لبيع المواقف، وتفعيل الأزمات، فضلاً عن (الإرتهان السياسي)، وهو الأمر الأكثر شيوعاً بهذه الفترة؛ إذ إن دول المنطقة تبحث عن مصالحها، والعلاقات تحكمها المصالح بغض النظر عن المشتركات الأخلاقية، والمنظور السياسي (المصلحي) في العلاقة هو قاعدة بنائها على الرغم جميع الاعتبارات الأخرى، ومن هنا كانت نتائج تلك السلوكيات المتعددة، وارتباطاتها الفئوية تؤدي الى ضعف كيان الدولة الخارجي ومن ثم تنعكس سلبياً على أداءه في الخارج.

إلا أن ملامح هذه السياسات في هذه المرحلة بدأت بالتغيير، نتيجة جملة من العوامل، أبرزها النتائج العكسية، والتغيير الكبير الذي طرأ على عدة مفاهيم تقود الى استخدام أدوات مختلفة عما سبق، فما كان يصلح ويُتداول منذ عشر سنوات مثلاً، لا مكان له الآن بعد بروز وعيّ جديد يملك فهماً مختلفاً، ويدعو لاستبدال قواعد اللعبة السياسية، ومن ضمنها العلاقات مع العالم العربي، على وفق مبدأ الشراكة والمصلحة الوطنية، والأهم أن تكون الدولة ومؤسستها الخارجية، هي المعني الوحيد في مد جسور جديدة من الثقة والتقارب.

لقد أثبتت كل التجارب والأحداث المريرة التي شهدها العراق منذ أكثر من أربعين عاماً، إن المحيط العربي المجاور للعراق يؤثر بشكل أو بآخر في رسم السياسات الدولية لهذا البلد، وذلك لارتباط العراق بمصالح مع دول هذا المحيط، وإن الموقف الأمني الخاص بالتجارة والنفط والطاقة، هيّ بوصلة سياسات العالم لهذه المنطقة، والعلاقة مع الغرب، مع ضمان التوازن مع الشرق، يؤشر بمقدار الالتزام بتلك المحددات التي يتبناها العالم ومنذ عشرات السنين، والتي يدافع عنها بكل الوسائل بما فيها العسكرية.

إن النظرة الى واقع العراق والأزمات التي تعصف به تباعاً، تتطلب من حكومته الجديدة، أن تضع مصلحة البلاد فوق كل الانتماءات الأخرى، وأن تبني تلك العلاقات بتفاهمات وإن كانت نسبية، تحترم طبيعة وخصوصية العراق بما يحتوي من تيارات، ونسيج اجتماعي له امتداداته الجغرافية التاريخية بدول المنطقة، وتعتمد الوسطية، وتعزز المصالح الاقتصادية الكفيلة بفتح أفق جديد من الارتباط وفق آليات جديدة، مستثمرةً الأجواء الإيجابية المتجه نحو حلحلة الكثير من القضايا العالقة.

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *