عبد الحميد الصائح

التقنية التي اتبعها مؤلف حلقة الطابق 15 من كمامات وطن الكاتب مصطفى الركابي ، ليست جديدة وهي شائعة الى درجة فتحت شهية المتصدين وحراس الفشل بالاضافة الى بعض الاكاديميين الذين لهم مقاييس مجردة عن الدلالات الجماهيرية يفتشون عن نسخ هنا وهناك ليحطوا من قدر المهارة الشابة للركابي في كتابة عمل مختلف عن نمط الانتاج التلفزيوني السطحي المعتاد على الشاشات العراقية في الاونة الاخيرة ، ففكرة ان الشهداء احياء ليست فتحا خاصا لاحد فطالما نتحدث بها ونمجدها لتتحول الى عزاء لكل من فقد أحدا من ذويه باطلا باسلحة الاجرام وغياب العقل والعدالة ، وقد سبق توظيف هذه الفكرة سياسيا ووطنيا في افلام ومسرحيات وقصص وحكايات شعبية نقلت الحياة الى عالم الموتى لتستدرج فكرة او موقفا انسانيا ليس مجال جردها هنا ، مصطفى الركابي كتب عملا من روح الحالة العراقية القائمة الان ، الشهداء الذين يراقبون الحياة ومازالوا فاعلين في ادارتها وتحديا في تظاهرات تشرين التي تمثل انتفاضة جيل على اجيال من الخديعة والفشل والتخبط السياسي والاخلاقي ، فنجح الركابي بدون تعقيد للوصول الى هدفه ، الهدف والتوظيف والبناء المختلف والشخصيات المالوفة في المخيال العراقي كانت مخططه ، مثلما حدث لروائيين ومخرجين وظفوا شخصيات واساليب شهيرة لبناء اعمال مغايرة لها ، فكان عمل الطابق 15 عراقيا جديدا ذكيا ليكتب عملا بطله الاساسي هم الناس وهم يشاهدون واقعا مفترضا هم انفسهم صنّاعه وشهود عليه ، فرصة العمل كانت في توفر عناصر متميزة لانجازه ، تبني الفكرة من جهة انتاجية مغامرة ، هي قناة الشرقية المؤسسة التي نالها الكثير من القذف والغمز والاتهام من جيوش التاويل المريض، حتى من الذين يظهرون على شاشتها ، وبقيت بادارتها الاعلامية والسياسية الفريدة ممسكة على جمرة الوطن ومبدعيه رغم موجة التحولات السياسية المتقلبة خلال الخمس عشرة عاما الماضية ،وكان ممثل القناة المشرف العام على العمل الاستاذ علاء الدهان موفقا تماما في دعمه ومتابعته لانجازه، كذلك المخرج الشاب سامر حكمت الذي عرفتُه شابا متميزا في المونتاج خلال عمل مشترك جمعنا معنا ، في هذا العمل ينتقل خطوة من عمل المونتير التقليدي الذي يربط المشاهد ويؤطرها بالمؤثرات المعتادة الى الانجاز المعقد، دراسة المشاهد وانتقالاتها الى دراما الصورة وسينوغرافيا المشهد السينمائي بذكاء ، فكان مع جهد التصوير المختلف الذي رافقه فريقا يَعِدُ بالكثير .
هنا آتي الى الصديق الفنان المبدع اياد راضي ، فقد كانت هذه الحلقة فرصة تاريخية ليعرف الجمهور من هو اياد راضي الحقيقي الذي كادت الكوميديا السطحية وظروف العمل والحياة تسحقه امام جمهوره وشعبه ، فاياد الذي اعرفه زميلا في مقعد الدراسة باكاديمية الفنون فنان اكاديمي محترف قدم منذ بداياته مطلع الثمانينات اعمالا مهمة في تاريخ الاكاديمية والمسرح العراقي لمولير وبورماشية وستراندبريج وشكسبير وجان انوي وابسن بالاضافة الى اعمال عراقية رائدة وكان بارعا في الكوميديا والتراجديا في ان واحد وهو تميز نادر ، هنا يقدم اياد دورا تراجيديا في أحرج موضوع لكونه مازال طازجا في ضمائر العراقيين وسيبقى ، فقد راى العراقيون الجانب الاخر لهذا الممثل المؤثر المقنع ، وهو اياد راضي الذي سيبدا من جديد من جمهور يعرف اوجه ادائه كلها ،بالاضافة الى تفوق صبا ابراهيم ومازن محمد مصطفى ومحمد اياد ومحمد البصري الذين قدما دوريهما بتلقائية المحترفين،والحقيقة ان جميع الممثلين لم يمثلوا بصورة تقليدية بل عاشوا الادوار بتبني تام كانهم شخصياتها، اشارت موجزة يمكن ان اختم بها تعليقي المطول هذا ، الاولى ان هذا العمل بلاجمهور ، فالجميع كانوا اطرافا في انتاجه من قدمه ومن شاهده ، (الممثلون لم يمثلوا والجمهور لم يتفرج) ،وهذا سر التعاطف غير المسبوق بعمل عراقي ، الثانية ان سر التعاطف الاخر هو اعادة الحياة للانتفاضة التي راهن البعض على ضمورها وخفوت بريقها وسط المستجدات السياسية والهلع الصحي ، الثالثة : أننا حتى اليوم لانجيد تقديم الموضوع العراقي بتقنيات كتابية وانتاجية لافتة في التلفزيون رغم ان العراق اليوم رائد في انتاج الرواية والقصة ، وهناك اعمال روائية عراقية متميزة جدا يمكن ان تعد للتلفزيون ، واخيرا ، مازال الاعلام الرسمي العراقي متراجعا امام المؤسسات الخاصة التي تستقطب الجمهور والمبدعين معا وتعمل بحرية وتفوق .

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *