ناجي سلطان

ناجي سلطان الزهيري

لاشك ان التغييرات الكبيرة لا تأتي دفعة واحده ولا في ليلة وضحاها كما يقال، فهي تحتاج الى مراحل وتدرج بسبب الهزات الإرتدادية ومخلفات المراحل السابقة وتداعياتها وكذلك الوعي وعدم الثقة والشكوك والمصالح و و و ..
وهذا ماحدث في كثير من البلدان التي شهدت الانتقال من نظام دكتاتوري شمولي الى نظام ( ديمقراطي ) منفتح ، الفوضى التي تحدث عادةً بعد التغيير هي شبه طبيعية وقد أشبهها بعملية استئصال غدة سرطانية من جسم الإنسان ، ففترة النقاهة بين العملية والشفاء تحتاج الى وقت طويل للشفاء التام يعاني خلالها المريض من تداعيات ومضاعفات العملية ، وهذا ما حدث ويحدث تماماً في العراق وهو ليس استثناءً بل اكثر تعقيداً من غيره من الدول بسبب تنوع مذاهبه وأعراقه وخلافاتها التاريخية واطماع دول الجوار والدول الإقليمية وأسباب كثيرة أخرى.
إذا ما نظرنا بتجرد إلى ما حدث في العراق من ٢٠٠٣ الى تشكيل حكومة الكاظمي بتجرد بعيداً عن مارافقه من فساد وهدر للثروات والأموال (وهو ليس موضوع المقال) لوجدنا ان التدرج في التغيير واضح ، من هيمنة حزب على رئاسة الوزراء لثلاث دورات ونصف وهيمنة الأحزاب الأخرى على كل الوزارات ومفاصل الدولة ثم التغيير بانتقال رئاسة الوزراء الى شخص من غير حزب، ووزراء فيهم المستقلون أو شبه المستقلين الى حكومة يرأسها شخص غير حزبي ولاينتمي الى احزاب السلطة مابعد ٢٠٠٣ ( وإن كان مدعوما منهم ) ووزراء غير حزبيين وغير منتمين ومن غير الذين عهدناهم في الواجهة من أبطال الشاشات والصراعات والجدل ، وجميعهم تقريباً من غير المجربين وحملة الجنسيات الأجنبية ومن غير الذين يُتهمون بالفساد والمحسوبية ، هذه التغييرات يجب ان تُلاحظ ولو كانت بطيئة ، لكنها مؤشر على ان بوصلة التغيير سائرة نحو الشفاء التام والتغيير المطلوب ، خاصةً إذا لاقت استجابة جماهيرية ودعما شعبيا مع البقاء على ضغط الشارع بالمظاهرات السلمية أو بغيرها، فهذا بالتأكيد لم يتحقق لولا الضغط الكبير الذي شهدته ساحات الإنتفاضة منذ شهر اكتوبر الماضي وسقته دماء الشهداء الأبرار .
وهناك أمر لابد من الإشارة اليه وهو دور النخب الثقافية والإعلامية على الساحة العراقية فهي شريكة بما حصل بعد ٢٠٠٣ بصورة مباشرة وغير مباشرة ، فقد تعددت ولاءاتها وانتماءاتها وراحت تمارس في كثير من المواقع ما يمارسه السياسيون من حيث الانحياز الى الطائفة أو المذهب أو العرق على حساب الوطن. وبعضهم ذهب أبعد من ذلك فباع قلمه وصوته بأبخس الأثمان إلا مارحم ربي.
التغيير القادم المنشود يجب أن ترافقه مراجعة شاملة من جميع النخب السياسية والثقافية، يتمخض عنه تشكيل حركة وطنية حقيقية من صميم الواقع العراقي تستطيع قيادة البلد في المرحلة القادمة وعدم ترك الساحة للأحزاب التي فشلت في قيادة العراق بعد ٢٠٠٣ ، وإلا ليس هناك معنى وفائدة من تقديم أو تأخير الانتخابات القادمة. وبدلاً من ان نسرع في التغيير من خلال إيصال شخصيات عراقية وطنية الى البرلمان ومن ثم الحكومة سنساهم أكثر بإبطاء عجلة التغيير .

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *