بعض الافكار والتساؤلات التي ناقشتها مع المفكر المغربي ادريس هاني
في غياب السؤال الفلسفي عن أزمة جائحة كورونا
د. طالب محمد كريم : وفقا لرؤية توماس كون، حول بنية الثورات العلمية فان التغيير في العلم يحدث حينما تعجز النظريات السائدة عن تفسير ظواهر العالم، حيث يؤدي ذلك الى حدوث انتقال المنظور الحاكم للعلوم لتعزيز قدرة المتخصصين عن فهم الظواهر وتفسيرها. فحينما تكون حركة العالم اسرع من قدرة العلم عن الاستيعاب، فان ذلك يُعد دافعا كافيا للبحث عن نظريات جديدة بديلة للتكيف مع الواقع الجديد.
اذن يفترض بنا ابتداءً أن نميز بين سؤال العلم وسؤال الفلسفة
سؤال العلم لازال يبحث عن ضالته في كورونا في المخابر والمراكز الطبية والصحية، الا ان العقل البشري يطمح الى أبعد من ذلك عن الاجابة الانطولوجية او الكونية لمعرفة المحركات التاريخية التي تنهج لمسار اجتماعي ودولي جديد. ماهو رايك بذلك ؟
المفكر ادريس هاني : هو طبيعي منذ انفكت العلوم عن الفلسفة، اصبح الانفكاك من جميع الجهات بما فيه السؤال. السؤال الفلسفي هو اساسي ودائماً فيه سؤال ويفترض ايضاً ان يكون حتى في العلم السؤال تلو السؤال حتى لما ننجز استنتاجات دقيقة تخرج الفرضية من مستوى الفرضية الى مستوى النظرية علينا أيضاً ان نستمر في مساءلتها. فاعتقد انه حينما ننظر بنظرة موحدة للامور فالسؤال واحد. ولكن اليوم بدأ في ظل هذا التقسيم والتجزيئ وكذا ..
اصبح السؤال الفلسفي بما انه معني باسئلة الوجود والمصير فهو يبدو ابعد مدى من السؤال العلمي الذي هو اصبح مرتهن لنماذج خاصة بالمجتمع العلمي ومحكوم بشروط معينة ومثل هذا حتى يصيب الفلسفة حينما اصبحت مجرد صناعة كسائر العلوم في العلوم الاجتماعية فالواقع اليوم يؤكد ان فيه ازمة سؤال سواء في العلم، لان العلم مرتبط بشروط المختبر والى غير ذلك ولكنه ايضا مشروط بنماذج، فالفلسفة ايضا مشروطة بنماذج فتقريباً اصبحت هناك ازمة سؤال فيهما معاً. لكن حينما يعود العلم الى الفلسفة والحكمة سوف يصبح السؤال اعمق وسوف يصبح مشتركا فهذا التقسيم الاجرائي بين السؤال الفلسفي والعلمي، بعد ان انفكت العلوم عن بعضها الخ، فالفلسفة لا تمانع من اننا نسائل مثلاً حينما نبحث في الاوبئة مثلا والخلية فنحن نطرح اسئلة وفق افتراضات والحدس حاضر في البحث العلمي كما يحضر في الفلسفة، البرهان حاضر هنا وهناك انما المعطيات احيانا تختلف من حقل الى اخر وهذا الاختلاف من حقل علمي الى حقل علمي اخر. من حقل العلوم الاجتماعية الى حقل العلوم البحتة. لكن جوهر السؤال يبقى واحدا باعتباره موصول بسؤال عن الحقيقة وبالتالي ممكن ان الاسئلة العلمية وفق المنظور هي متخصصة جدا ومرتبطة بالاجابة عن تحدي معين في ظاهرة معينة محدودة مشروطة الى غير ذلك لكن السؤال الفلسفي ممتد امتداد المشكلة الانطولوجية في العالم هذا تقريبا. شرف السؤال هو من شرف الغايات وبما ان الفلسفة تعنى بالانسان والمصير فهي بالتالي اشرف وابعد مدى ولكن الخلل اليوم طرا على صناعتين. ومن هنا حينما نتحدث عن سؤالين في اطار مثلا اليوم عندنا مشكلة، وباء، ينحصر في اللقاح، لكن اللقاح الذي يتعلق باللقاح الانساني، واللقاح الحضاري، واللقاح القيمي، واللقاح المعنوي، هذا ابعد مدى واشرف وبعيد. اللقاح الطبي ، نعم يعني الان في عشرات الناس يموتون في اليوم واحيانا بالمئات لكن كم البشرية كلها دخلت في الاكتئاب وفي المرض والدمار الشامل بسبب سلوكها وانحطاط معنوياتها وثقافاتها وحضارتها .
في حرب واحدة تسقط الملايين بسبب الوباء الذي يعصف بالوعي ويعصف بالخيارات والانماط الحضارية الى غير ذلك.
كم من الناس يموتون بسبب المجاعة؟
كم من الناس يموتون بسبب سوء النظام الدولي؟ الى غير ذلك. فاذن اللقاح في هذا المجال لا يقل عن لقاح في المجال الاخر. وبالتالي السؤال الفلسفي المعني بهذا سيكون حتما اشرف واهم من الاسئلة المحصورة في بيئة وشروط ومجتمع علمي ضيق.
د. طالب محمد كريم: مع بداية الازمة التي ابتدات بضوضاء عالي خارج منطق الافكار والنظريات في جميع حقول المعرفة، اطلعت على بعض الردود من المفكرين وفلاسفة عالم الشمال ( اوروبا ) من كل هابرماس في المانيا، وادغار مورين و آلان تورين في فرنسا، و جورجو أغامبين في ايطاليا، و سيلافوي جيجيك في سلوفينيا، و جوزيف ناي في امريكا. كانت عبارة عن ردود من الارتباك النسقي والصدمة السيكولوجية واندهاش العقل امام ما يحصل من المشاهدات والواقع الحياتي كان ذلك واضح جدا. اعتقد ان قاهرية الازمة ستنتج لنا عالم اخر، بدا يشكل كيانه وينسج خيوط نظرياته التي ستنعكس على جميع الحقول التاريخية والمعاصرة من موجات توفلر والانسان الاخير والعالم مسطح بعد العولمة الى رقمنة الانسان وانعدام المكان بتعبير ادغار موران الاخير الى الزمن المفقود بتعبير الان تورين والتضامن العالمي بعبارة هابرماس الى فكرة المصالح الوطنية والدفاع عنها بتعبير جوزيف ناي حتى مفهوم الدول المذعورة والعاجزة عن السيطرة بعبارة سلافوي جيجيك. فهمت من خلال نصوصهم التي تعيش الازمة الى ان الفلسفة في ازمة، هي فاقدة لمعرفة موقفها ومكانها في هذا العالم الكبير، ليس من نسق يقابل نسق اخر واعلى مرتبة، قد يكون علم اللا متوقع، و نظام ينتج عن شواش.
المفكر ادريس هاني: نعم انا متفق معك ان مهمة الفلسفة يجب ان تكون لها اولوية كبيرة ومن هذا المنطلق انا شعرت بذلك. لذلك الكتاب القريب ان شاء الله هو ” فيلو كورونا ” فهو معني بالسؤال الفلسفي حتى وهو يعاقر المشكلات الاخرى التي تتعلق بالنظام الدولي والاقتصاد ومصير العالم والمستقبليات الى غير ذلك ولكن هو في جوهره يقدم اسئلة ومحاولة للجواب الفلسفي على مجموعة من التحديات .
نعم هناك ما يلاحظ على ذلك باستثناء ادغار موران يحاول ان يجعل منها فرصة والاخرين دخلوا في حالة اكتئاب يبدو . لذلك انا في الكتاب ناقشت هؤلاء جيدا . فقط انتظر صدوره وستشاهدون كيف اني حاولت ان اتجاوز بعض الجوابات التي قدمها بعض من هؤلاء والتي لا تنسجم مع تحدي المطروح اليوم وبان في تراجع في الملكة الفلسفية في العالم وبالتالي التعاطي مع هذه الجائحة لم يكن في مستوى الشجاعة من اجل المعرفة ومن اجل الوجود فنعم نعتبر ان الفلسفة الان معنية اكثر حتى من الطب في هذا المجال.
د. طالب محمد كريم: جزيل الشكر دكتور هاني على هذه الاضاءات التي فتحت منافذ لابواب اخرى ربما اصبحت منافذ مرور الى عوالم اخرى . نعم ربما نحتاح الى لقاح حضاري قيمي ونحن نعيش ازمة اغتراب قيمية حقيقية بكل المعاني. الشعبوية اليوم تحاول ان تتصدر المشهد التاريخي وتستبدل منطق القيم والمعاني. بدانا نفقد الرمزية لا وجود للقيادات، العالم بلا قيادة بتعبير آلان تورين.
العالم ينتظر من الفلسفة ان تسهم في كشف القادم ومعرفة حدود ما بعد موجة كورونا الا انه ربما هم لازالوا في الصدمة الذي وَلّد عندهم الاكتئاب بحسب وصفك لهم.
المفكر ادريس هاني: نحن في حاجة في هذا العالم من اجل تاسيس لعالم الغد ان نتمتع بكل المناعة الجسدية والمعنوية. لان العالم ينتظر اكثر خصوصا كما قلتم الفلسفة يحتاج انه الى انتظاراتها تكون اكبر وابعد مدى من اجل لقاح حضاري يعفينا من اضرار هذه الانماط التي بلغت الباب المسدود .
تحياتي لكم
ملاحظة: جرى الحوار من يوم السبت المصادف 25/4/2020