كتب : علاء الخطيب
في مقابلة تليفزيونية مع مدرب فريق ليفربول سأله المراسل عن فايروس كوروناوالسياسة ، فأجابه انا مختص بكرة القدم ولا افهم بهذا الموضوع، نعم انا مشهور ولكنباختصاصي ، فالمشاهير لا يفهمون بكل شيء ، كان جوابً قاسياً وراقياً بنفس الوقت .
فهو يحترم عمله ووظيفته من جانب ، ويؤمن بالاختصاص من جانب اخر .
و حينما كنا نعد التقارير الإخبارية لبعض القنوات كنا نلاقي صعوبة كبيرة فيالحصول على من يتحدث بالسياسة او الاقتصاد او الدين
ففي اوربا قلما تجد من يتحدث في السياسة وهو غير سياسي، وحين تسأل أحدهم عنالسياسة يجيبك على الفور لا افقه في السياسة .
وهذا هو جزء من نجاح هذه المجتمعات وتفوقها ، ولكي يبدع كلٌ في عمله عليه ان يركِّزباختصاصه وان لا يكون مصداقاً للمثل القائل ( سبع صنايع والبخت ضايع) ، فقليلٌ ماتجد من يتمنطق بغير اختصاصه، والمثل يقول ( اللعب بغير فنه تعب ) .
فربما يكون الشخص مهندس ناجح ولكنه فنان فاشل وربما يكون طبيب متفوق ولكنهخطيب فاشل، فكم لاعب كرة متألق لكنه فاشل درسياً والعكس صحيح .
لذا حينما تبحث الدول عن الكفاءات ، تبحث حسب الاختصاص والكفاءة .
ورحم الله المتنبي اذ يقول :
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ***مضر كوضع السيف في موضع الندى
لكن للأسفل لم نجد هذه الثقافة في مجتمعنا اليوم ، فأغلب المتمشدقون بالعلم والثقافةهم ( بتاع كلو) .
فليس غريباً ان تجد احزابنا هي الأخرى تبحث عن رئيس جامعة ليكون رئيساً للوزراء ، ظناً منهم بأن رئيس الجامعة يفهم بكل شيء ، وما دام لديه شهادة جامعية عليا فهوخبير بالسياسة والخضروات والسيارات وكرة القدم والموسيقى وربما بعقار كورونا مستقبلاً .
ربما يرقص بعض رؤساء الجامعات فرحاً لهذا الحديث ، وان كانوا لم يمارسوا العملالسياسي ولم يدخلوا دهاليزه. فمن المعيب لدى البعض منهم ان يقول لا افهم فيالسياسة .
بعض ممتهنوا السياسة لا يفرقون بين الرأي السياسي والفعل السياسي، وما دامتالسياسة شأن عام فالجميع له الحق في ابداء الرآي في الشأن العام، ولكن ليس للجميعالحق في الفعل السياسي فهو محصور في صاحب الاختصاص وعلينا ان نعترف بذلك .
ربما يكون رئيس جامعة و اكاديمي ناجح ولكن ليس بالضرورة ان يفقه بالسياسة ،فللسياسة رجالها وللأكاديمية رجالها ، وهكذا في كل الاختصاصات . لكن الهوس يدفعالبعض ان يكون سياسياً، طمعاً بالمنصب والسيارات المصفحة والحمايات.
يوما التقيت بعالم عراقي وأستاذ جامعة في لندن وهو متفوق في اختصاصه ، وقدكرمته بريطانيا لابتكاراته العديدة في مجال اختصاصه ، لكن الرجل مهووس فيالسياسة وطموح في الحصول على منصب فيها وحديثه السياسي ينسيك انه عالمكبير ، رغم انه لا يفقه كثيرا في السياسة سوى ما يتناقله الناس في صفحات التواصل ،ورغم ذلك فهو مصر على الحديث بها .
فليس من العيب ان تقول لا افهم ولكن العيب ان تقول افهم وانت لا تفهم ، فلو تمسك كلواحد باختصاصه لما أفرز لنا الواقع السياسي في العراق مجموعة من الأميين والبلداء،ولما تهافت البعض على حرف الدال المزور .
فعبارة لا أفهم في السياسة لغير السياسيين الحقيقيين تجنبنا الكثير من الويلات .
ففي مستنقع الأكاذيب لا تطفو سوى الأسماك الميته